بينما كان الليل يلملم عتمته إستعداداً للرحيل ليفسح المجال أمام خيوط الفجر الاولى لتنشر نورها على أرجاء المدينة كانت هناك امراة تحاول ان تستغل خلو الشوارع من المارة فخرجت وهي تلهث رعبا وفزعا تتلفت يمينا وشمالا وعواصف الخوف تتقاذفها من كل اتجاه لكنها تواصل شق طريقها بحثا عن برميل قمامه اومكان بعيد عن العيون تعتقد انه امنا بالنسبة لمولودها الذي خرج الى النور قبل لحظات فتضعة وهو ملفوف بقطعة قماش او كيس قمامة ثم تغادر المكان مسرعة وهي تعتقد ان شرفها الضائع سوف يعود وان عذاب تسعة اشهر قد رحل دون عوده ولم تهتم بماذا حدث بعد ذلك لفلذة كبدها هل اكلته الكلاب ام سخر الله له شخصا يلتقطه ويعتني به قبل ان يصاب باذى فهذا كلة لايشغل تفكيرها في تلك اللحظات المزدحمة بمشاعر الخلاص من مولود كانت تحلم يوما ان تنجبه من علاقة غير شرعية وليست من علاقة سرية اقامتها في لحظة متعة عابره خارج اطار الزواج مع رجل تملص وغاب عنها بمجرد ان عرف انها حامل من نطفته هذا ملخص ما أقدمت علية امرأة في مدينة اب في الشهر الماضي وهي حالة واحده من حالات كثيره شهدتها العاصمة ومحافظات اخرى الاشهر الأخيرة الماضية حتى بدا الامر وكانه ظاهرة وليس استثناء ويعتقد كثير من المراقبين ان ظاهرة التخلص من المواليد ورميهم في الشوارع والطرقات او في ابوب المساجد ليس شرطاً ان يكون غرضه اخفاء علاقة جنسية محرمه ولكن قد يكون سببه الفقر حيث تقوم الأم بالتخلص من مولدها لانه سوف يكلفها مصاريف اضافية لاتستطيع توفيرها واحيانا قد تقوم بهذا الفعل فتاة شريفة مظلومة تعرضت للاغتصاب فتكتم وتخفي ماتعرضت له وحينما تحين ساعة الولادة وتضع ما في بطنها تتخلص منه بإحدى الطرق المذكورة انفا وبالعودة للحالة التي شهدتها مدينة اب فأننا نجد تفاصيل مثيرة ومدهشة ولم تمر كغيرها من الحالات المشابهة.
ففي صباح باكر خرجت امرأة متقدمة بالسن لغرض زيارة ابنتها المريضة التي تقيم مع زوجها في نفس المدينة وبحسب قولها : انها كانت تسير وهي تردد مما تحفظه من آيات القرآن الحكيم ومأثورات الصباح وفجأة شاهدت أمامها كلباً يحمل (آدمي) رضيع في فمه فحاولت التحقق لعله يكون دجاجة مذبوحة أو حيوان أخر صغير لكنها تسمرت من الفجيعة عندما تأكدت أن ما يحمله الكلب طفلاً حديث الولادة فصرخت بأعلى صوتها فسمعها المارة الذين كان عددهم قليلاً في ذلك الوقت وحاول الكلب بهدوء أن يغير اتجاه طريقه فالتقاه شاباً ومنعه من المرور وعندها سقط الرضيع من فم الكلب .. فاقتربت العجوز فوجدته يرتجف من شدة البرودة ويكاد يطلق أنفاس الموت, وفي جسده جروح تدمي من أنياب الكلب فاحتضنته وغطته بلثامها قبل أن يقوم أحد الحاضرين بإحضار ملابس وبطانية من منزله.
وبدأ الطفل يستعيد عافيته شيئاً فشيئاً كما بدأ صوته في البكاء واضحاًً وعندها تكاثر الناس ومن حسن حظ المولود أن عدداً من الحاضرين ابدوا استعدادهم لأخذه والقيام بتربيته وحدث تنازع على ذلك بين عدد من الاشخاص ولكنهم في الأخير اتفقوا على شخص حضر متأخراً وقد فتح الله عليه بالمال وليس له ولد, ولم يعترض على ذلك إلا شخصاً واحداً يعتقد أنه من المهمشين كان حاضراً هو وزوجته التي كانت تصرخ وتبكي طالبة من الحاضرين تسليمها الطفل ولم يعرف أحد سبب كل ذلك الحرص والبكاء من امرأة مهمشة .